وافد الآلاف من المهاجرين على منطقة الباسك الفرنسية. وتستأثر مدينة بيون بحصة الأسد، لكونها نقطة انطلاق الحافلات نحو باريس. وتحولت بذلك إلى منطقة عبور بالنسبة للعديد من المهاجرين. لكن مجموعة منهم تفضل البقاء بالمنطقة، بعد أن وجدت حضن أسر فرنسية، فتحت لها أبواب بيوتها بأريحية.
على مقربة من مركز إيواء المهاجرين “ليطاب” في بيون بمنطقة الباسك جنوب غرب فرنسا، كانت إحدى العاملات في المركز تجمع استمارات من المهاجرين. “آخذ منهم الاستمارات التي سلمت لهم عند وصولهم إلى المركز، لأنهم سيغادرونه”، تقول لمهاجر نيوز وهي تسرع الخطى بين مجموعة من المهاجرين كانوا يستعدون للسفر.
لحظات قليلة، وتصل حافلة إلى عين المكان. وقبل أن يركبوها، تجمع مهاجرون حول متطوعة أخرى كانت تتحدث إليهم بلهجة تحذيرية “إذا تم توقيفكم من طرف الشرطة التزموا الصمت واطلبوا اللجوء”، معيدة نفس العبارة أكثر من مرة، خوفا عليهم من الترحيل إلى البلد الجار إسبانيا. وصعد الجميع أمام نظرات سائقة، تتابع الوضع من مقعدها، ستقودهم في رحلة لباريس.
وكان دفاع ائتلاف “التضامن مع المهاجرين” الناشط في المنطقة، رفع دعوى أمام مؤسسة “المدافع عن القانون” الرسمية، يشتكي فيها من استهداف المهاجرين أثناء السفر من قبل إحدى شركات نقل المسافرين، “فقط لأنهم من ذوي البشرة السوداء”، توضح المحامية لورانس أردوان في تصريح لمهاجر نيوز.
البوابة الجديدة للمهاجرين
ويتوافد على المنطقة العشرات من المهاجرين يوميا منذ بداية الصيف الماضي. “كان الكثير منهم ينامون في ساحة الباسك وسط المدينة، وكنت ممن يقدمون لهم الطعام والملابس حينها”. ومع وصول فصل الشتاء، تحرك المجتمع المدني، ما دعا البلدية إلى الدخول على الخط وفتح مركز إيواء ليطاب في تشرين الأول/أكتوبر الأخير، إذ قامت بتوكيل مهمة تسييره لجمعية “أثيربيا”، التي توظف سبعة أشخاص لهذا الغرض، بالتعاون مع جمعية “دياكيتي”‘، يقول أحد العاملين في الجمعية فضل ذكر اسمه.
ومع إغلاق البوابة الإيطالية أمام المهاجرين، تحولت المنطقة لمعبر جديد للمهاجرين القادمين من المغرب عبر إسبانيا. وتفيد أرقام المنظمة الدولية للهجرة أن نحو 50 ألف مهاجر وصلوا إلى السواحل الإسبانية منذ بداية العام الجاري. الآلاف منهم يحاولون مواصلة رحلتهم للوصول إلى دول أوروبية أخرى بينها فرنسا.
وأعلن وزير الداخلية الفرنسي في زيارته للمنطقة أن حوالي ستة آلاف مهاجر منعوا من دخول فرنسا عبر الحدود البرية المحاذية لمنطقة بيون. لكن هذا لم يمنع المهاجرين من معاودة الكرة لمرات عديدة. “هناك من قام بثلاث محاولات وأكثر، ولا يمكن مراقبة الحدود بشكل كلي. يوجد باستمرار مهاجرون ينجحون في الوصول إلى المنطقة”، يفسر أحد الإعلاميين في المدينة سر تواصل توافد المهاجرين.
أسر باسكية تفتح بيوتها بوجه المهاجرين القاصرين
وأمام هذه الموجة من الهجرة من بوابة بيون والنواحي نحو الداخل الفرنسي، بادرت الكثير من العائلات المحلية لاستضافة مهاجرين قاصرين في بيوتها، وصل عددهم اليوم 43، يتابعون جميعا تعليمهم في المدارس المحلية.
بين هؤلاء جورج، الذي تستضيفه نادين منذ أكثر من سبعة أشهر. توطدت العلاقة بين الاثنين إلى مستوى إحساس هذه المرأة بشعور الأمومة نحوه. “أنا أم جورج البيضاء”، تقول لمهاجر نيوز بنظرة مليئة بالعطف اتجاه هذا المهاجر الكاميروني.
وتعبر نادين عن استعدادها حتى لخرق القوانين، إن كانت تمنع ذلك. “لا يمكنني ترك فتى قاصر يبيت في الشارع، وإن كنت سأتعرض للملاحقة بسبب ذلك، فلا يهمني الأمر، ولا يراودني هذا التساؤل أصلا”، تلفت نادين، التي تحذو حذوها عشرات الأسر الأخرى في استضافة مهاجرين قاصرين، ينتظرون كلهم قرار السلطات حيال ملفاتهم للحسم في وضعياتهم الإدارية.
وحتى يستفيد المهاجر القاصر من الخدمات الصحية والتعليمية التي تقدمها الدولة، عليه أن يثبت أنه تحت السن، ويحصل هذا عادة بالوقوف بين يدي إحدى المؤسسات المختصة التي تعني بحماية الطفولة، التي تطلب منه في معظم الحالات إجراء تحليلات طبية لعظامه للتأكد من العمر، لكن هذا الإجراء يواجه انتقادات من قبل الجمعيات المعنية بالهجرة.
بالنسبة للمحامية لورانس أردوان، “لا تكون نتائج التحليلات على العظام على مقدار كبير من الصواب دائما، ويمكن أن تشوب نتائجها أخطاء، كما أن مؤسسة حماية الطفولة في المنطقة يمكن أن تعتمد في تأكيد أو نفي أن المهاجر قاصر على بنيته الجسدية أو عدم الانسجام في روايته حول مسار رحلته قبل وصوله إلى فرنسا، وهي تقديرات غير صحيحة دائما، وقد تحرم المهاجر القاصر من حقوقه”.
تهديد بالترحيل
“الحرمان من الحقوق” يضع المهاجر تحت تهديد الترحيل، إن وقع بين أيدي الشرطة بحكم أنه مهاجر بدون أوراق إقامة. والكثير من الناشطين الذي التقاهم مهاجر نيوز، يؤكدون أن السلطات لا تعرقل عملهم على الأقل في الوقت الحالي، “لكن لا ندري إن كان هذا الوضع سيستمر أم أنها ستغير سياستها في المستقبل”، تقول مايثي إيتشيفغري رئيسة جمعية “دياكيتي” الناشطة في مجال الهجرة.
وحاول مهاجر نيوز الاتصال بكل من محافظة المنطقة ورئيس بلدية بيون لمعرفة رأيهما، إلا أنه لم يتلق أي جواب.
وأوقفت الشرطة قبل أسابيع 19 مهاجرا كانوا على متن حافلة انطلقت من بيون في اتجاه باريس، وحاولت إرجاعهم إلى إسبانيا، إلا أن مدريد اعترضت على ذلك واعتبرت أنه لا يوجد أي دليل على أنهم قدموا فعلا من الأراضي الإسبانية. كما اعتقلت شخصين قبل أيام.
“نضع على معاصم المهاجرين الذين يصلون إلينا سوارا خاصا، حتى إذا تم توقيفهم من قبل الشرطة يفهم أنهم نزلاء بالمركز”، يقول سيدريك بودوا، منسق مركز الإيواء “ليطاب”. لكن جمعيته “أثيربيا” لا تبدو مستعدة في الدخول في صدام مع السلطات، ويؤكد بودوا أنه “إذا طالبونا بالتوقف عن ما نقوم به سنتوقف”.
أما الأسر التي فتحت أبوابها للمهاجرين تؤكد على أن العمل التي تقوم به “هو من ثقافة المنطقة وتاريخها، لأنها كانت دائما منطقة هجرة ومهاجرين”، تلفت المتحدثة باسم ائتلاف “التضامن مع المهاجرين” أميا فونتين، مشيرة أن أسرتها بدورها هاجرت في وقت من الأوقات إلى كل من الولايات المتحدة والأرجنتين. وتؤكد أن عدد المهاجرين الوافدين لم يتناقص، ولربما قد يتزايد مستقبلا، لأن الآلاف من المهاجرين تم إعادتهم إلى إسبانيا أثناء محاولتهم العبور، “وسيحاولون العودة لمرات ومرات”.