اليوم الأحد 24 نوفمبر 2024 - 10:53 مساءً
أخر تحديث : الإثنين 15 فبراير 2021 - 9:31 مساءً

البيصارة” أكلة مناضلة تنتعش في موسم البرد والأمطار

زايوتيفي – متابعة

الشتاء يغير الأذواق كثيرا، وهناك أكلات في المغرب لا يستوي مذاقها في فم آكليها إلا في فصل الشتاء وزمهرير البرد، وعلى رأس هذه الأكلات تأتي البيصارة، والتي تعتبر سيدة الأكلات الشتوية في شمال المغرب، لكنها تكسب كل يوم مزيدا من العشاق في كل مناطق البلاد.
البيصارة أكلة شعبية بامتياز، حتى أنها أضحت مصدر سخرية الكثيرين، كما لو أنها أكلة زائدة، وهذا شيء مناف للواقع، حيث أن الأطباء ينصحون بأكلها على الأقل مرة واحدة في الأسبوع نظرا للفوائد الكثيرة التي تسديها للإنسان، بما فيها الفيتامينات الكثيرة التي يعز وجودها أحيانا في أعتى وأغلى المأكولات.

توصف البيصارة بأنها الأكلة المتوفرة للجميع، ويمكن لأي فقير معدم أن يأكل منها حتى يفيض شبعا بأقل ثمن. وفي الماضي، عندما كانت هذه الأكلة مقتصرة على شمال المغرب، فإنها كانت منقذا للكثيرين القرى النائية والمعزولة من تسلط الجوع، أما اليوم، فإن البيصارة تحقق الأمن الغذائي المغربي من طنجة إلى الكويرة. إنها وجبة مناضلة بكافة المقاييس.

كانت البيصارة في الماضي أيضا مقتصرة على مطاعم قليلة، وأحيانا لا يوجد في مدينة كبيرة مطعم واحد يقدم البيصارة، لكن شعبيتها اليوم تضاهي شعبية الكسكس، لكن البيصارة تنتصر على الكسكس لأنها سهلة الطبخ ورخيصة التكاليف ويمكن حفظها لأيام، وتصلح لكافة الوجبات من الصباح إلى العشاء.

تعرف البيصارة رواجها الكبير من بين شهر أكتوبر وشهر مارس، وهي الفترة التي تعرف هطول الأمطار وسيادة البرد، بحيث تصبح البيصارة خلال هذه الفترة رفيقة للكثيرين، ويتناولها الفقراء على أرصفة المطاعم الرخيصة، كما يقبل عليها الأغنياء بلهفة رغم أنهم لا يعترفون أمام أصدقائهم بأكلها، وتمضي ربات البيوت وقتا طويلا في العناية بطبخها وفق الأصول والتقاليد كما هي متعارف عليها دوليا.

الذين يزعجهم البرد خلال فصل الشتاء ولا يتوفرون على الأغطية الكافية في المنزل، سيكتشفون المفعول السحري للبيصارة الساخنة، وسيجدون أن كثيرا من الأغطية مجر إسراف لا طائل منه.

البيصارة وجبة مغربية بامتياز، ولا يمكن طبخها سوى بالجلبان أو بالفول، مع أن المصريين عندهم أكلة اسمها البيصارة يطبخونها بالعدس والملوخية، لكن شتان ما بين بيصارة المغرب وبيصارة الأهرامات.

توصف البيصارة منذ غابر الأزمان أنها أكلة الفقراء وصديقة الطبقة البروليتارية، أي أنها حليفة الفقراء حين يترفع اللحم والسمك عن الوصول إلى موائدهم. وعندما ترتفع أسعار باقي الأكلات في أسماء، فإن البيصارة تبقى متواضعة وقريبة من الناس، لهذا يحس الكثيرون بكثير من التعاطف مع هذه الأكلة العجيبة والمناضلة.

تتميز البيصارة بأنها أكلة صبورة ويمكن حفظها لأيام حتى خارج الثلاجة، وهذا ما يفسر شعبيتها الكبيرة في القرى والمناطق التي تفتقر إلى الكهرباء، يعني أن الثلاجات تصبح غير ضرورية لحفظها، وهو ما يفسر أنه يتم طبخها كمية كبيرة منها حتى يتم أكلها لأيام متواصلة.

يبدو للكثيرين أن طبخ البيصارة سهل، ويتخيلون أنها مزيج من الماء والفول والملح. وربما يكون ذلك صحيحا بالنسبة لعدد كبير من المطاعم الشعبية التي تطبخ هذه الأكلة بسرعة من أجل تقديمها إلى الزبناء بأي شكل من دون مراعاة ضوابط كطبخها. لكن البيصارة الحقيقية تخضع في طبخها لشروط صارمة تطلب الصبر وحذاقة اليد والموهبة. والأكلة الذواقون هم فقط من يدركون لذتها.

البيصارة أيضا وجبة سحرية للسيدات العاملات، حيث يمكنهن طبخ مقادير كبيرة ووضعها في طنجة كبيرة، ويستطعن في أي وقت إعادة تسخينها وتقديمها للأسرة، أو للأهل والأحباب والضيوف.

جربي سيدتي.. وإن فشلت كرري المحاولة.. وإن فشلت…

تحتاج أكلة البيصارة إلى قليل من المواد والبهارات. قليل من الثوم وزيت الزيتون والكمون والفلفل الحار، والتي تخلط مع الأكلة حسب رغبة كل واحد، فهناك من يفضل أن يخلط هذه المواد مع الوجبة في البداية، أو خلال عملية الطبخ، وهناك يفضل من يضيفها إليها بعد الانتهاء حين تصبح الوجبة جاهزة. لكن في كل الأحوال فإن إضافة بعض زيت الزيتون والثوم إلى الأكلة قبل أن تصبح ناضجة يصبح أفضل.

على السيدات أن يتجنبن إغلاق الطنجرة أثناء عملية الطهو، لأن الرغوة الكثيرة قد تتسبب في انفجار محدود الخسائر.

السيدات اللواتي يجربن طبخ البيصارة للمرة الأولى يمكن أن يعتبرن المحاولة الأولى مجرد تجربة قد تنجح وقد تفشل، لذلك عليهن أن يعتبرن أن الفشل ليس نهاية الطريق، وبإمكانهن أن يكررن المحاولة، شرط تحلي الزوج المحب للبيصارة بكثير من الصبر.

إن فشلت سيدتي في محاولتك الأولى فلا عيب في ذلك، لأنه من الفشل يتعلم الإنسان، لذلك كرري المحاولة، وإن فشلت في الثانية فحاولي مرة ثالثة. وإن فشلت للمرة الثالثة فاقصدي أقرب مطعم يقدم البيصارة واشتر منه ما يكفيك أنت وزوجك وأطفالك. فليس هناك حل آخر.

الدكتور محمد نوري: البيصارة غنية جدا بالفيتامينات.. وريجيم ناجع

يقول الدكتور محمد نوري، أخصائي التغذية بمدينة تطوان، إن الكثيرين لا يعرفون القيمة الغذائية الحقيقية لهذه الأكلة البسيطة، فالبيصارة تعد أساسا من البازلاء (الجلبان) أو الفول، وهما معا يعدان من الخضر الجافة ويدخلان في عداد النشويات الضرورية لطاقة الجسم، وهي أيضا غنية بالهيدروكاربون الذي يعد من مصادر الطاقة الأساسية، حيث أن كل 100 غرام من البيصارة تعطي 250 سعرة حرارية للجسم.

ويضيف نوري أن البيصارة مصدر مهم ورخيص للبروتينات، كما أنها غنية بالألياف وتتوفر على 5 إلى 7غرام في كل 100غرام، وهو رقم مهم جدا إذا علمنا أن الكمية الموصى بها من الألياف في اليوم هي 20 غرام في اليوم. كما أن البيصارة تلعب دورا وقائيا للأمعاء من عسر الهضم، إلى جانب أن مؤشر الحلاوة فيها منخفض رغم أنها غنية بالسكريات.

ويشير الدكتور نوري إلى أن البيصارة قد تكون مناسبة جدا لمن يعاني من السمنة كريجيم، لأنها تعطي إحساسا سريعا بالشبع، وهي  تحمي أيضا من الكوليسترول وتلعب دورا وقائيا من أمراض القلب والشرايين، والوقاية من سرطان القولون والأمعاء، لأنها تعد ضمادا معويا جيدا لمنع الجراثيم والسموم. كما أنها غنية بالمنغنيز والكالسيوم، حيث أنه في كل 100 غرام نجد 100 إلى 150 ملغرام من المنغنيز، ومن نفس الكمية نحصل على 140 إلى 150 ملغرام من الكالسيوم.

أما البوتاسيوم فموجود بنسبة  7 إلى 10 ميلغرامات، والفوسفور بنسبة 40 ملغرام، إضافة إلى نسب قليلة من النيكل والنحاس والزنك.

ويضيف الدكتور نوري أن البيصارة تكمل البروتينات الموجودة في الحبوب وهي الأحماض الأمينية، لذا فصحن البيصارة مع كسرة خبز من القمح أو الشعير هو غذاء كامل لصاحبه. ويحذر الدكتور فقط من الإفراط فيها لأصحاب مشاكل الأمعاء بسبب الغازات.

أوسمة :

أضـف تـعـلـيق 0 تـعـلـيـقـات