زايوتيفي.نت
كلمة الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض، رئيس النيابة العامة بمناسبة اللقاء الدراسي حول زواج القاصر يومي 29 و30 أكتوبر 2019 بمراكش
باسم الله الرحمان الرحيم
والصلاة والسلام على مولانا رسول الله وآله وصحبه
السيدة ممثلة صندوق الأمم المتحدة للطفولة؛
السيدات والسادة القضاة؛
حضرات السيدات والسادة؛
إنه لمن دواعي الاعتزاز والسعادة أن أشارك معكم اليوم في هذا الملتقى الذي تحتضنه مراكش الحمراء، وتنظمه رئاسة النيابة العامة بتعاون مع صندوق الأمم المتحدة للطفولة اليونسيف، والذي يطرح للنقاش موضوعا ذا راهنية كبرى هو “زواج القاصر “.
وأغتنم المناسبة لأعرب لليونسيف في شخص ممثلتها بالمغرب السيدة جيوفانا بارباريس وكذا فريق عملها، على التفاعل المستمر مع برامج عمل رئاسة النيابة العامة، والتجاوب الدائم مع أولوياتها المتعلقة بحماية الطفل.
كما أشكر السادة قضاة المحاكم (سواء قضاة الحكم أو النيابة العامة) المشاركين في هذا الملتقى وأخص بالشكر القضاة الخبراء أعضاء اللجن العلمية المساهمين في إعداد الدراسات والدلائل العملية قيد الإنجاز في موضوع زواج القاصر وباقي المواضيع ذات الصلة بالحماية المدنية للطفل، ولا أنسى طبعا السادة المساعدين والمساعدات الاجتماعيات المساهمين في هذه الأوراش، الذين أحييهم على النفس الإنساني والاجتماعي الذي يبثونه في عمل خلايا التكفل بالنساء والأطفال ضحايا العنف بالمحاكم.
حضرات السيدات والسادة؛
إن موضوع زواج القاصر يستدعي منا بحق وقفة جدية للتأمل والمراجعة كونه ولاشك في تماس مع حقوق الطفل المكفولة دستوريا ودوليا، وكون حماية هذه الحقوق جزء لا يتجزأ من التنمية الشاملة وبناء المجتمع الديموقراطي الحديث. وهو ما فتئ صاحب الجلالة محمد السادس نصره الله يؤكد عليه في العديد من خطاباته ورسائله السامية، آخرها الرسالة السامية الموجهة إلى المشاركين في الدورة الأولى للمناظرة الوطنية للتنمية البشرية المنعقدة بتاريخ 19 شتنبر 2019 تحت شعار “الطفولة المبكرة التزام من أجل المستقبل” حيث قال جلالته نصره الله وأيده “فإننا نأمل أن يحظى هذا الموضوع بما يستحق من الدراسة والتحليل والنقاش.
فهو يستمد أهميته وراهنيته من العناية الخاصة، التي ما فتئنا نوليها للنهوض بأوضاع الطفولة باعتبارها عماد المجتمع وقاطرة المستقبل، من أجل تحقيق تنمية اقتصادية واجتماعية شاملة ومندمجة”. انتهى النطق الملكي السامي.
ومما لاشك فيه زملائي الأعزاء أن موضوع زواج القاصر يتميز بتعدد أبعاده الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والدينية ثم القضائية.
ولا شك كذلك، أن مكان القاصر الطبيعي هو مقاعد الدراسة والنعيم بحضن الأبوين ودفء الأسرة بعيداً عن تحمل مسؤولية الزواج وما يترتب عنها من تبعات جسام، قد تتفاقم حين تكون الأم طفلة تربي طفلا أنجبته من بطنها أو حين يكون الأب طفلا مسؤولاً عن تربية طفل من صلبه.
لذا يقتضي الأمر استحضار مختلف هذه الأبعاد في نقاشكم هذين اليومين، مستحضرين الارتفاع المتزايد لطلبات الإذن بزواج القاصر المقدمة للقضاء، والذي أصبح أمراً مثيراً للقلق. حيث تجاوز عدد الطلبات المقدمة إلى المحاكم سنة 2018، 33686 طلب . وهو ما يطرح التساؤل حول المواقف المتخذة حيال هذه الطلبات من قبل مختلف المتدخلين ومن قبل الأجهزة القضائية، ومن بينها النيابة العامة. وهل تعامل القضاة مع هؤلاء القاصرين كأبنائهم وبناتهم، أم كملفات قضائية. وهل راعوا مصلحتهم كما يراعي الآباء مصالح أبنائهم القاصرين، واختاروا لهم ما يؤهلهم لكسب رهانات المستقبل المعقدة، وحافظوا على سلامتهم الجسدية والنفسية، ومكنوهم من الاستمتاع بطفولتهم ومواصلة دراستهم وتكوينهم. هذه أسئلة سيجيب عنها ضمير كل قاضية وقاض مكلف بقضايا الطفولة، ولاسيما الموكل إليهم أمر تزويج القاصرين.
زميلاتي زملائي المحترمين؛
لقد عملت رئاسة النيابة العامة على إصدار عدة دوريات من أهمها الدورية رقم 20 المتعلقة بزواج القاصرين التي تم توجيهها للسادة أعضاء النيابة العامة بمختلف محاكم المملكة، من أجل حثهم على ضرورة الحرص على مراعاة المصلحة الفضلى للقاصرين بمناسبة تطبيق مقتضيات مدونة الأسرة، وذلك عبر تقديم الملتمسات والمستنتجات الضرورية، وعدم التردد في معارضة طلبات الزواج التي لا تراعي المصلحة الفضلى للقاصر، وجعل جلسات البحث مناسبة لتوعية القاصر بالأضرار التي يمكن أن تترتب عن الزواج المبكر، والاستعانة في ذلك بالمساعدات الاجتماعيات والحرص على الحضور في جميع الجلسات المتعلقة بزواج القاصر. وهو توجه حمائي للقاصرين، أدعو أعضاء النيابة العامة إلى التمسك به، والسعي إلى حسن تطبيقه في مهامهم رعيا لمصلحة القاصرين.
وفي نفس السياق وانخراطا في التوجه العام للدولة نحو فهم مختلف أبعاد الظاهرة وإيجاد أنجع السبل للحد منها، تعمل رئاسة النيابة العامة على إعداد دراسة تشخيصية في الموضوع، ينتظر منها تسليط الضوء على الإشكاليات التي تعترض السعي للحد من زواج القاصرات سيما على مستوى التدخل القضائي، كما تتوخى الكشف عن مختلف صور التحايل التي يتم اللجوء إليها لشرعنة الزواج المبكر أو جعله أمرا واقعا وملزما للقرار القضائي.
كما تهتم الدراسة بتحليل ما قد يطرحه الموضوع من تقاطعات قانونية وقضائية مع مواضيع أخرى كالعنف ضد الزوجة أو الطرد من بيت الزوجية وإهمال الأسرة أو الزواج القسري، وغيره من القضايا ذات الصلة بزواج القاصر وكيفية معالجتها عندما يتعلق الأمر بقاصرات. ويأتي تنظيم هذين اليومين في نسق هذه الدراسة، بغاية تسليط الضوء على بعض الإشكاليات وتدارس بعض القضايا الواقعية من أجل فهمها وتفهمها والبحث لها عن حلول أو اقتراحات حلول.
حضرات السيدات والسادة؛
إن هذه الأفكار وغيرها مما ستثيرونه خلال هذين اليومين ستغني النقاش المجتمعي حول الموضوع كما ستكون مرشدا لرئاسة النيابة العامة في مخططها نحو تعزيز دور قاضي النيابة العامة في المجال.
ورجائي أن يحقق هذا اللقاء المبتغى منه ويكون حافزا إضافيا يدفع القضاة جميعا إلى تقصي المصلحة الفضلى للطفل دائما.
والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.