اليوم الجمعة 22 نوفمبر 2024 - 1:04 صباحًا
أخر تحديث : الجمعة 1 مارس 2019 - 8:28 مساءً

هل اقتناء الرادارات المتطورة قمين بالحد من حوادث السير؟

زايوتيفي.نت / الحسن جرودي

يعتبر حفظ النفس في الإسلام من الضروريات الخمس، ومن ثم فإن قتلها بغير حق يعتبر من أشنع الجرائم التي توازي قتل الناس جميعا مصداقا لقوله تعالى: » مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا  » وفي مقابل ذلك  » َمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعا ».

ولا شك أن بذل الوسع في توفير الوسائل والآليات التي تحول دون قتلها، يندرج ضمن عملية الإحياء، كما أنه لا شك في أن كل مُتسبِّب فيما يطلق عليه حرب الطرقات يدخل ضمن القتل. من هذا المنطلق ودون الدخول في المزايدات التي تعج بها وسائل التواصل الاجتماعي، يمكن إدراج المبادرات التي يقوم بها وزير التجهيز والنقل واللوجستيك والماء من حين لآخر ضمن عملية المساهمة في إحياء النفوس، ونذكُر منها على سبيل المثال، العقوبة الزجرية على الراجلين الذين لا يحترمون الممرات الخاصة بهم، وكذا تجهيز رجال الأمن والدرك برادارات متطورة لرصد مختلف المخالفات وعلى رأسها مخالفة الإفراط في السرعة وعدم احترام السرعة المحددة حتى لا أقول القانونية، إلا أن الملاحظ هو أن عملية الزجر منحصرة في العنصر البشري بالنسبة لسلوكات معينة، والسؤال هو: إلى أي مدى يمكن لهذه المبادرات أن تقضي على حوادث السير أو تحد منها على الأقل، ومن ثم المساهمة في إحياء الأنفس؟

للإجابة على هذا السؤال يتعين جرد مختلف العناصر التي تترتب عنها الحوادث، وأقدِّر أنه يمكن تعدادها في خمسة عناصر وهي: العنصر البشري، الحالة الميكانيكية لمختلف الوسائل المستعملة في التنقل، البنية التحتية للطرقات، علامات التشوير، وأخيرا المعنيون بمراقبة مدى توفر شروط الصلاحية في كل من العناصر الأربعة السابقة.

لذلك يبدو لي أن الاكتفاء بمعالجة عنصر في غياب العناصر الأخرى، لا يعدو أن يكون نوعا من العبث، إن لم يكن إهدارا للوقت والمال في نفس الحين، ومن ثم فرغم أهمية عامليْ السرعة وعدم احترام ممرات الراجلين وبعض العوامل الأخرى في وقوع عدد كبير من الحوادث، فإن الاكتفاء بزجر أصحاب هذه المخالفات وعدم معالجة المشكل في شموليته لا يمكن إلا أن يكون ناقصا ومفتقرا إلى الإنصاف في أحيان كثيرة، ذلك أن الكل يعلم على سبيل المثال أن السياقة في حالة سكر أو تحت تأثير مخدر أخطر بكثير، حتى وإن لم يكن المعني في حالة سرعة مفرطة، من تجاوز السرعة المحددة من قبل سائق مُتمرِّس وفي كامله قواه العقلية، مع العلم أن الثاني يعاقب في الوقت الذي لا يعاقب فيه الأول. إذن فعوض تعويض الرادارات القديمة برادارات جديدة كان من الأولى تخصيص قيمتها المالية لاقتناء أجهزة لمراقبة تناول المواد المخدرة والمسكرة، خاصة وأننا في بلد يدين بالإسلام الذي يحرم قتل النفس بأية صيغة كانت من بينها تناول المخدرات الذي يضاعف من احتمال عمليات القتل سواء المباشرة منها والمتمثلة في الحوادث بصفة عامة وحوادث السير بصفة خاصة، أو غير المباشرة المتمثلة في القتل البطيء لمستعملها بسبب للطبيعة السامة للمواد المكونة لها.

هذا من جهة، ومن جهة ثانية، فكلنا يعلم قصة تجميد عمر بن الخطاب رضي الله عنه لحد قطع يد السارق في عام الرمادة، وهو الذي رُوي عنه أنه كتب يومًا إلى أحد عُماله: « ماذا تصنع إذا جاءك سارق؟ قال: أقطع يده، فقال عمر: فإن جاءني جائع قطعت يدك ». قياسا على هذا أقول، إذا ثبت أن حادثة سير تسبب فيها سائق أو راجل متهور، تتم معاقبتهما بما يلائم خطورتها، لكن السؤال الذي يطرح نفسه هو: من الذي يُعاقَب إذا ثبت أن المتسبب في الحادثة هو حالة الطرق التي لا تعوزنا الأمثلة للتدليل عليها، أو عدم ملاءمة علامات التشوير لوضعية معينة أو انعدامها في وضعيات أخرى؟ وما أكثرها، أو عدم توفر ممرات الراجلين أو عدم توفر الأرصفة التي استولى عليها البائعون المتجولون والمقاهي والمحلات التجارية أو عدم توفر ممرات خاصة بالدراجات…؟

أتَذَكَّر يوما أن أحد الفلاحين قَتَل خنزيرا لأنه عاث في زراعته فسادا، فجاءه مُمثِّل عن مديرية المياه والغابات يُوبِّخه وينذره بإصدار غرامة مالية في حقه، فتساءل الفلاح المسكين عن المسؤول عن هذا الكائن حتى يرفع ضده دعوةً لأجل تعويضه عن الخسائر التي ألمَّت بزراعته. ونحن كذلك نتساءل عن المسؤول عن الحفر التي لا تنتهي في مختلف الأزقة والشوارع داخل المدن، وتدهور حالة الطرق خارجها، وعن عدم توفير ممرات الراجلين، وكذا الأرصفة، وعن العشوائية في استعمال علامات التشوير بحيث أننا نجد تخمة في بعض الأماكن وفقرا في أماكن أخرى، كما أننا نجد عددا منها لا يتناسب مع الأماكن التي ثُبِّتت فيها، فعلى سبيل المثال لا الحصر، نجد أنه تم تحديد السرعة في 60Km/h في كل من مدينة بني درار (توجد على بعد 20 كيلومتر تقريبا من مدينة وجدة في اتجاه مدينة السعيدية) و قرية الركادة (تتواجد على بعد 10 كيلومتر تقريبا من مدينة بركان في اتجاه مدينة وجدة) مع العلم أن الأولى شديدة الازدحام، خاصة في فصل الصيف، والثانية قليلة الازدحام والطريق تمر خارجها، عكس الأولى التي تمر الطريق بمركزها، ومع ذلك نجد أن الأولى لا تحظى بمراقبة السرعة لا في مدخلها ولا عند مخرجها، بينما نلاحظ أن الكاميرا دائمة الوجود في أحد مدخلي الثانية تراقِب الداخل إليها والخارج منها مع العلم أن مكان تثبيت لوحة تحديد السرعة بعيد كل البعد عن الساكنة.

بالإضافة إلى هذا، فعلى الرغم من ارتباط بعض علامات التشوير بأوقات وأماكن معينة لكونها تتعلق بوجود حركية معينة، كما هو الشأن بالنسبة لتلك التي تُثبت بجوار بعض المؤسسات التعليمية سواء كانت حضرية أو قروية على سبيل المثال، فإنه إذا كان من المعقول بل ومن المروض أن تتم مراقبة السرعة بجوار هذه المؤسسات أيام الدراسة، فما دلالة تربص رجال الدرك أو الشرطة بالسائقين يوم الأحد وأيام العطل بكاميراتهم، في الوقت الذي تفقد فيه علامات التشوير مدلولها والهدف الذي وضعت من أجله بسبب عدم وجود مرتادي هذه المؤسسات، وإذا حق لهم ذلك حق لهم أن يفعلوا نفس الشيء بالنسبة لمجموعة من العلامات المؤقتة مثل علامات سقوط الثلج أو غيرها من الأمثلة.

إذا كان المواطن العادي لا يعرف المسؤول عما سبق، أو يعرفه ولا يجرؤ على مقاضاته، فإن السيد الوزير وطاقمه الذين لا شك أنهم يعلمون علم اليقين الأطراف المسؤولة عنها، هم الطرف المخول لمقاضاة الأطراف المعنية وإجبارهم على تحمل مسؤولياتها كاملة، وبعدئذ لا يحق لأحد أن يناقش في زجر المخالفات مهما قلت، وإلا فلا تعدو الرادارات وما شابهها أن تكون عبارة عن فخاخ تُنصب للمواطن العادي الذي لا حول له ولا قوة، بينما ذوي النفوذ والمعارف فلا خوف عليهم مهما أفرطوا في السرعة ومهما ضُبطوا في حالة سكر أو ما شابهها.

في الأخير ومساهمة في عملية إحياء الأنفس، أقترح على السيد الوزير وعلى المسؤولين المعنيين بتنظيم السير على الطرقات ما يلي:

اقتناء أجهزة لمراقبة تناول كل أنواع المسكرات والمخدرات من قبل السائقين، وحتى على غير السائقين المستعملين للطريق، وتشديد العقوبات عليهم.
تعميم علامات التشوير على جميع الشوارع والأزقة، وإعادة النظر في المتوفر منها في المجالين الحضري والقروي، بما يجعلها تتلاءم مع مجموعة من المعطيات الموضوعية، كالازدحام والتوقيت وطبيعة الطريق.
توفير ممرات خاصة بالدراجات والدراجات النارية بجميع أنواعها خاصة في المجال القروي.
القضاء على احتلال الأرصفة من قبل المقاهي والمحلات التجارية والباعة المتجولون، ثم توفير ممرات الراجلين في جميع أزقة وشوارع المدن حتى يتعود المواطن عليها، وعدم الاكتفاء ببعض الشوارع الرئيسية وكأن الأمر يتعلق بتلميع الصورة أمام الآخرين.
إرغام رجال الأمن والدرك على التحلي بالإنصاف في التعامل مع المخالفين أيا كان وضعهم الاجتماعي.
إحداث لجن لمراقبة حالة الطرق خاصة بعد التساقطات المطرية حيث تكثر الحفر والتبليغ بها في حينها، على أن يتم إصلاحها في أقرب الآجال، وإلا طُبِّقت في حق المسؤولين عليها ذعائر كما تطبق على المواطنين العاديين.
إرغام دُورُ المراقبة التقنية للعربات على اعتماد الصرامة في عملية المراقبة وعدم التساهل خاصة في الأجهزة ذات الوظائف الأساسية مثل الفرامل والعجلات والأضواء وما هم به أعرف منا، بدلا من التركيز على الجوانب الشكلية والتي ليس لِمالك السيارة فيها ناقة ولا جمل، كما هو الشأن بالنسبة لإرغامهم على تغيير لوحات الترقيم بالنسبة للتي تحتوي على رقم أربعة مغلوق برقم أربعة مفتوح.

إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت وما توفيقي إلا بالله.

أوسمة :

أضـف تـعـلـيق 0 تـعـلـيـقـات