زايوتيفي – متابعة
مما لا مراء فيه أن الغش فعل مذموم وآفة من بين أبرز الآفات الاجتماعية الخطيرة، المتفشية في جميع بلدان العالم الفقيرة والغنية على حد سواء، لما له من آثار سلبية على الأفراد والمجتمع. وهو ذو عدة وجوه وتعاريف، إذ يعرف شرعا بمزج الشيء الرديء مع الجيد منه. ويعرف اصطلاحا بأنه من الظواهر المنحرفة التي تبرز في المجتمع وتترك أثرا سلبيا في سير الحياة الاجتماعية، ويعد بذلك من دلالات الابتعاد عن المعايير والقيم الشرعية. أما على المستوى اللغوي، فهو خلط أشياء بأخرى أقل منها ثمنا وجودة مثل خلط الحليب بالماء وغيره كثير.
ومن المعلوم أنه للحد من الغش التجاري وضعت الأديان السماوية والأنظمة القانونية القواعد والنظم التي تحكم حركة التجارة وتنظم عمل الأسواق، بيد أن الرغبة في الكسب السريع ما انفكت تدفع بمنعدمي الضمير من أرباب الشركات والتجار والمنتجين والمتعاملين بالمواد الأساسية والخدمات إلى نهج أساليب ملتوية، باعتماد مختلف وسائل الغش والتدليس. وهو ما أفضى إلى صدور مجموعة من القوانين، تؤكد رغبة المشرع المغربي في حماية المستهلك، حيث ينص الفصل الأول من القانون رقم 83.13 المتعلق بزجر الغش في البضائع على أنه “يعد مرتكبا الغش عن طريق الخداع أو التزييف كل من غالط المتعاقد بوسيلة ما في جوهر أو كمية الشيء المصرح به، أو قام خرقا لأحكام هذا القانون، أو النصوص المتخذة لتطبيقه، أو خلافا للأعراف المهنية والتجارية، بعملية تهدف عن طريق التدليس إلى تغييرهما. ويعاقب الفاعل بالحبس من ستة أشهر إلى خمس سنوات وبغرامة من 1200 درهم إلى 24 ألف درهم، أو بإحدى هاتين العقوبتين فقط” إلا أن ذلك مازال غير كاف في التصدي لآفة الغش، خاصة في ظل غياب الإرادة السياسية في مكافحة مختلف أشكال الفساد المستشري داخل مجتمعنا.
فمباشرة بعد إعلان وزارة الاقتصاد والمالية عن رفع أسعار “البوطا” ابتداء من يوم الإثنين 20 ماي 2024 ، حيث تقرر زيادة 2,5 بالنسبة لقنينة الغاز من فئة 3 كيلو غرام و10 دراهم بالنسبة لقنينة الغاز من حجم 12 كيلو غرام، عاد النقاش ليتجدد مرة أخرى حول الغش الذي يطال أوزانها، ولاسيما بعد انتشار شريط فيديو للبرلماني الاستقلالي عبد الرحيم بوعيدة، ينتقد من خلاله هذه الزيادة غير المحسوبة العواقب، ويقارن فيه بين أوزان قنينات الغاز الموجهة للمستهلك، كاشفا في ذات الوقت عما يمكن أن يشكل جناية تقترفها شركات توزيع المحروقات، متمثلا في وجود “غش وتدليس في أوزان البوطا” وهو ما أدى إلى تعالي أصوات الاحتجاج والاستنكار منددة بالتسيب الحاصل، ومطالبة بالتدخل العاجل من قبل الجهات المسؤولة بوزارة الصناعة والتجارة أو وزارة الانتقال الطاقي والتنمية المستدامة أو مجلس المنافسة، وكذا من طرف السلطات المحلية والمصالح الأمنية والدركية، لاتخاذ كافة الإجراءات الضرورية والكفيلة بردع المتلاعبين بمصالح المستهلكين.
وليس هذا وحسب، فقد سارعت النائبة البرلمانية نزهة أبا كريم عن الفريق الاشتراكي بمجلس النواب، إلى توجيه سؤال إلى وزير الصناعة والتجارة رياض مزور حول الغش في وزن غاز البوتان المعبأ في قنينات الغاز من فئة 3 كيلوغرام و12 كيلوغرام، إذ اعتبرت أن قرار الحكومة المتعلق بالتقليص الجزئي من الدعم الموجه لقنينات غاز البوتان، أدى إلى انكشاف فضيحة كبرى تتمثل فيما يطال غاز البوطا من غش، مؤكدة على أن نسبة الغش المسجلة تتراوح بين 10 و25 في المائة من الوزن المصرح به، متسائلة عن أسباب تراجع مراقبة أوزان المواد الاستهلاكية بالأسواق المغربية، ومطالبة في الختام ذات الوزير بالكشف عما ستتخذه وزارته من إجراءات لمراقبة أوزان هذه المواد…
وجدير بالذكر أن غاز البوتان يعد واحدا من أنواع غازات البترول السائلة الأكثر استهلاكا في بلادنا، وتتم تعبئته في قنينات من أوزان 3 و6 و12 كيلو غرام، تستحوذ فيها القنينة الكبيرة من فئة 12 كلغ على حوالي 85 في المائة، وكانت أسعار غاز البوتان تستفيد من دعم مهم قبل الشروع في تفكيك صندوق المقاصة، من أجل تفعيل برنامج الدعم الاجتماعي المباشر. ذلك أن هذه الأسعار لم تعرف أي تغيير منذ تسعينيات القرن الماضي، حيث ظل نفس الصندوق السالف الذكر يتدخل في اتجاه دعم ثمن غاز البوتان عبر عدة مراحل من السلسلة، بدءا من استيراد هذه المادة الحيوية إلى حين الاستهلاك النهائي.
وتأسيسا على ما سلف ذكره بات من الضرورة بمكان أن تنكب جميع المصالح المختصة على تشديد المراقبة على شركات توزيع المحروقات والغاز، والتصدي لجميع مظاهر الغش في مختلف مناحي الحياة، باعتباره آفة اجتماعية خطيرة ومصدرا لجميع العلل والاختلالات، التي تحول دون تقدم المجتمع وتهدد الأمن والاستقرار، وأن تتضافر جهود الجميع في اتجاه مكافحة الغش من خلال تنظيم لقاءات وبرامج إعلامية تحسيسية وتوعوية لفائدة المواطنين، وتفعيل المساطر والتشريعات القانونية في حق كل من ثبت تورطه في مثل هذه الممارسات الشنيعة.