محمد شركي / زايوتيفي
نشرت وسائل التواصل الاجتماعي إفادات مسافرين كانوا على متن القطار الذي انحرف عن سكته ما بين مدينة القنيطرة والعاصمة الرباط، ذكروا فيها أنهم تعرضوا للنهب والسلب من طرف بعض العناصرالإجرامية القاطنة في حي بالقرب من موقع الحادثة حيث سرقت حافظاتهم وهواتفهم الخلوية وحقائبهم قبل أن تحضر عناصر الدرك وعناصر الوقاية المدنية ، وذلك خلافا لإفادات ذكرت أن بعض ساكنة ذلك الحي هرعوا لإنقاذ المصابين قبل حضور فرق الإنقاذ . ولا شك أن عصابات اللصوص استغلت الظرف للتمويه على سطوها تحت ذريعة الإنقاذ قبل أن تتفطن إليها عناصر الدرك ، وتمنعها من الاقتراب من الضحايا ولكن مع الأسف بعد فوات الأوان حسب إفادة المشتكين المسجلة والمبثوثة عبر وسائل التواصل الاجتماعي . وإذا ما صحت تلك الإفادات، فإننا أمام فضيحة مدوية ومسيئة لسمعة بلادنا خصوصا إذا كان ضمن المسافرين أجانب تعرضوا للنهب والسلب.
ومعلوم أن الإجهاز بالسطو على مواطنين كانوا يعيشون لحظة رعب بسبب هول كارثة انحراف القطار، ومنهم من كان يصارع الموت، يعتبر عملا جبانا ينم عن خسة ولؤم ووحشية ، ويعتبر أشنع جريمة على الإطلاق ، ذلك أن الاعتداء على الناس وهم في مثل تلك الحالة من الرعب لا يصدر إلا عن وحوش ضارية لا تعرف معنى الرحمة ، ولا تستحق الرحمة .
ومعلوم أيضا أن أشد الناس لؤما وخسة وضعة الذين يستغلون الكوارث والمصائب للسطو على أمتعة وحاجيات وممتلكات الغير ،ويكونون جزءا من تلك الكوارث والمصائب المسببة للفواجع . ولقد ألفنا أنه لا تقع حادثة من حوادث السير ، ولا يقع حريق في سوق من الأسواق ، ولا ينهار بناية من البنايات، أو غير ذلك من الكوارث …حتى يستغل شرار الخلق أو الوحوش الكاسرة الفرصة للنهب والسلب بلا رحمة ولا شفقة . وغالبا ما تكون الكوارث أو النيران أرحم من هؤلاء الوحوش لأنهم يلتهمون ما لا تلتهمه أو تتلفه من متاع ، فتجتمع على المنكوبين نكبة الحرائق ونكبة ما تقترفه تلك الوحوش المحسوبة على بني آدم من نهب وسلب ، وأغلبها ينفق ما يسطو عليه في العربدة والسكر والتخدير والفساد والإفساد .
إن ما حدث ساعة انحراف القطار من اعتداء صارخ على المنكوبين ، وما يحدث على الطرق السيّارة من اعتداء على المسافرين ، وما يحدث من اعتداء على المتسوقين في الأسواق ، وما يحدث من اعتداء على المارة في الشوارع من طرف عصابات اللصوص ، وما يتم الإعلان عنه من إحصائيات توقيف هؤلاء من طرف الأجهزة الأمنية أسبوعيا، يدل على وجود انفلات أمني حقيقي وخطير ببلادنا، الشيء الذي يجعل المواطن يعيش حالة من الخوف الدائم وعدم الشعور بالأمن على نفسه وعلى أهله وعلى ما يملك . وإن العناصر الإجرامية ومعظمها من الشباب الفاشل في دراسته ، والعاطل عن العمل ،والذي يعشش في الأحياء الهامشية والصفيحية يمتهن السطو والسرقة والعربدة والسكر والتخدير والفساد . ومعلوم أن هذه الشريحة تضمر الكراهية لمواطنين أبرياء ،وتحقد عليهم الحقد الأسود وكأنهم هم من سلبوها رزقها وعيشها ، ولا تفوتها فرصة دون النيل منهم بالسرقة والاعتداء أو بهما معا . ولا يمر يوم دون سماع أخبار السرقات والاعتداءات على المواطنين .وبسبب تصرفات تلك الشريحة يزول التعاطف تماما لدى المواطنين مع كل الذين يعانون الفقر والبطالة لأنه يتوقع منهم حصول الشر .
ولهذا تقتضي ظاهرة السطو المتفشية بشكل غير مسبوق في مجتمعنا معالجة جذرية و شاملة ، فيها ما هو أمني يتطلب الصرامة اللازمة والرادعة ، ولا يكون ذلك عن طريق إصلاحيات يجمع فيها اللصوص والمجرمون ليتعلم بعضهم من بعض فنون و أنماط السطو والإجرام بعد انقضاء محكوميتهم لاقتراف جرائم سطو واعتداء أشنع، والعودة من جديد إليها للمزيد من التمرن على أنواع جديدة من الاعتداءات، بل المفروض في من ولج الإصلاحيات ألا يفكر أبدا في العودة إليها مرة أخرى ،لأن الأصل في وجودها هو معاقبة المجرمين وردعهم لمنعهم من التفكير من جديد في الإجرام . ولا بد موازاة مع العقاب أن تحصل إعادة التأهيل ،وذلك بتلقين الحرف النافعة لنزلاء الإصلاحيات كل حسب ميوله وقدراته ، وخلق فرص شغل لهم بعد قضاء فترات محكوميتهم ، ومن لم ينخرط ولم يندمج في المجتمع بعد تدريبه وتشغيله ، يعاد من جديد إلى الإصلاحيات ليشتغل رغم أنفه لتسوّق منتوجاته ويصرف عليه من مردودها ، وكلما عاد إلى الإجرام أعيد إلى الخدمة الإجبارية لتمويل عيشه حتى لا يكون عالة على المجتمع الذي يدفع فاتورة إقامته في الإصلاحية ليتمرن هو على الإجرام وإذاية من ينفقون عليه .
ولا بد أيضا من خطة محكمة لتجفيف منابع الإجرام بدءا بإجبارية التعليم وعدم التساهل مع الكسل في الدراسة المفضي إلى التسرب والانقطاع مبكرا والارتماء بين أحضان البطالة والركون إلى العيش عالة على المجتمع ، والانتقام من المواطنين بالسطو للتغطية على كسل بدأ في الفصول الدراسية ، واستفحل في الأزقة والشوارع وزاد استفحالا في الإصلاحيات بعد ذلك ليصير طبعا وعادة وأمرا واقعا مقروضا على المجتمع رغما عنه .
ولا بد من محاسبة الأسر عن مسؤولياتها بخصوص احتضان العناصر الإجرامية وتبرير إجرامها بإلقاء اللوم على الغير . وإن الأمم المتقدمة تحاسب الأسر على ما يقترفه أبناؤها الجانحون ، وتضربها إلى جيوبها كما يقال لحملها على معالجة جنوح أبنائها ، أما نحن فالأسر تساهم بشكل كبير في جنوح أبنائها ، وتكون سباقة إلى اتهام الغير وتحميله مسؤولية تلزمها أولا هي قبل غيرها .
والمؤسف حقا أن يحدث كل هذا الإجرام والسطو والاعتداء في بلد يرفع فيه الأذان خمس مرات ، ويتلى فيه القرآن بالليل والنهار دون تدبر ما فيه وتمثله وتنزيله في الواقع المعيش .
وأخيرا لا بد من التحذير من الخلايا الإجرامية النائمة و المكونة من شرائح المعطلين ، والتي يدل على خطورتها ما يحدث يوميا من اعتداء على المواطنين كما حصل في حادثة انحراف القطار وغيرها مما يحدث على الطرق السيارة والأسواق والشوارع والحارات . وعلى المسؤولين عندنا مداهمة تلك الخلايا في عقر دارها والتعرف على عناصرها وضبطها في سجلات تحسبا لكل اعتداء محتمل الوقوع من قبلها . ومعلوم أن هذه الخلايا تتحين الفرص لخلق أجواء الانفلات الأمني لتعيث في الوطن فسادا ، لهذا لا بد من القضاء المبرم عليها وإلا ستكون العواقب وخيمة لا قدر الله .