زايوتيفي : المختار لعويدي
يعتبر La Defense أضخم تجمع لمقرات ومكاتب الشركات الفرنسية والعالمية، وأكبر حي مال وأعمال في أوروبا، والرابع عالمياً. وثاني أكبر حي من حيث النشاط المالي في أوروبا بعد لندن.
يعتبر هذا الحي الأحدث من بين أحياء باريس العريقة. فقد شرع في بنائه خلال الستينات من القرن الماضي. وقد كان للجيل الأول من المهاجرين دور بارز في ذلك. من خلال مساهمتهم بالعمل في العديد من أوراشه الكبرى، سواء المتعلقة ببناياته وأبراجه العملاقة، أو ببنياته التحتية الخاصة بمختلف وسائل المواصلات.
يتكون الحي من عددا كبير من ناطحات السحاب والأبراج العملاقة، التي تضم مقرات ومكاتب كبريات الشركات الفرنسية والعالمية. منها حوالي 128 برجا هي الأعلى والاضخم، ضمنها 60 برجا هي الأعلى على الإطلاق. أشهرها برج شركة Total، وأعلاها برج Tour First بعلو يبلغ 231 مترا، وعدد طوابق يصل إلى 50 طابقاً. ويوجد حاليا البرج Hermitage Plaza الذي من المقرر أن يكون الأعلى قيد البناء والتشييد. سيبلغ ارتفاعه 320 مترا، وعدد طوابقه 86 طابقاً. وستنتهي أشغال بنائه سنة 2024.
يضم الحي شبكة مواصلات معقدة ومتنوعة وكثيفة تحت أرضية، تتوغل لثلاثة طوابق تحت الأرض، تتم عبر محطات وأنفاق جبارة، تخترق أرضية الحي، أسفل ناطحات السحاب والأبراج المذكورة. وتتكون أساساً من خطوط قطارات المترو Metro، وخطوط قطارات الضاحية RER، وخطوط قطارات Transilien، وخطوط قطارات الترام Tram. ناهيك عن خطوط عديدة لحافلات النقل الحضري. ويبلغ مجموع مستعملي هذه الوسائل التي تلتقي في حي الأعمال هذا، حوالي 450 ألف مستعمل يومياً.
ومن بين أهم المعالم الكبرى التي يتضمنها الحي، القوس الجبار La Grande Arche، والمركز التجاري الضخم Les Quatre Temps، إضافة إلى حوالي 60 تمثالا ومنحوتة ضخمة تزين فضاءات الحي، ناهيك عن أحواض مائية كبرى وحدائق فسيحة.
حقاً فهذا الحي إضافة إلى كونه حي مال وأعمال واقتصاد ومواصلات، فهو أعجوبة هندسية كبرى، وفضاء جمالي فاتن، تلتقي فيه فنون العمارة والنحت وتخطيط الحدائق وتوزيع الماء..
لكن برغم كل هذا الإبهار الذي يمارسه الحي، فإنه لا يستطيع إخفاء حقيقة مؤكدة تبدو ساطعة جلية، وهي أن جزءا غير يسير من هذا الإنفاق الباذخ الصارخ الذي استوجبه تشييد هذا الحي/ الاعجوبة، وغيره من الأحياء والبنيات والمنشآت الجبارة، في باريس وغيرها من المدن الفرنسية الأخرى، قد كان مصدره ما قامت به وما لا زالت تقوم به فرنسا ومختلف شركاتها، من سرقات ونهب لخيرات الشعوب المستضعفة في إفريقيا، اعتمادا على القوة والجبروت تارة، وعلى الغش والتدليس وتوقيع العهود والاتفاقات المغشوشة تارة، وعلى خيانة وتواطؤ وتعاون الحكام الأنذال تارة أخرى.
وهي حقيقة لا أجد غيرها مهما بلغت فرنسا من تطور وتقدم، لتفسير ما يتطلبه إنجاز وتشييد كل هذه البنيات الجبارة في مختلف مجالات الحياة من أموال واستثمارات قارونية هائلة لا حد لها ولا نهاية..!!!