محمد شكري / زايوتيفي.نت
تداول الرأي العام المغربي عبر وسائل التواصل الاجتماعي وعلى أوسع نطاق صور صفحات من كتب مدرسية تضمنت كلمات وعبارات عامية . ولقد تراوحت ردود أفعال الرأي العام بين السخرية والاستهزاء والسخط من هذا الذي أقدمت عليه الوزارة الوصية على التعليم تهورا منها ، وذاك من خلال سماحها بتسريب تلك الكلمات والعبارات في كتب مدرسية .
ومعلوم أن حكاية إدراج العامية في التعليم المغربي وراءها نية مبيتة من جهات معروفة بعدائها للغة القرآن التي امتدحها الله عز وجل في محكم التنزيل بقوله : ((وإنه لتنزيل رب العالمين نزل به الروح الأمين على قلبك لتكون من المنذرين بلسان عربي مبين )). وقال بعض المفسرين في قوله تعالى (( بلسان عربي مبين )) هو أفصح الألسنة على الإطلاق وأوسعها لاحتماله المعاني الدقيقة مع الاختصار لما في أساليب نظمه من علامات الإعراب وتقديم وتأخير ، وحقيقة ومجاز وكناية ، وما فيه من سعة ترادف ، وما فيه من محسنات … وشاء الله تعالى أن يكون اللسان الذي بلغ به رسالته الخاتمة للناس جميعا لتميزه عن باقي االألسنة في نقل وتبليغ مراده بدقة ويسر وسهولة وبيان .
وبناء على هذا يعتبر كل من يقدح في هذه اللغة التي وصفها رب العزة باللسان المبين متجاسرا عليه وعلى وصفه ، وقد يصل به تجاسره حد تكذيب كلامه سبحانه وتعالى عن ذلك علوا كبيرا . ولهذا لا يخلو من يرمي لغة القرآن بوصف أو نعت قادح لا يليق بمقامها من أن يكون أحد اثنين ، جاهل بها أو صاحب نية مبيتة يعادي القرآن ويعاديها بسببه . ولقد تبيّن بما لا يدع مجالا للشك أن الذين أرادوا استبدال لغة القرآن الكريم باللهجة العامية عندنا هم أنفسهم دعاة الانحلال الخلقي ،فأقاموا بذلك الحجة الدامغة على أنفسهم بأنهم يعادون تعاليم القرآن صراحة ، وأن محاولة نيلهم من لسانه المبين هي في الحقيقة محاولة للنيل منه عن طريق إفساد ألسنة الناشئة في المؤسسات التربوية لخلق هوة واسعة بين هذا اللسان وبينها ليستعجم عليها ويستغلق ، ومن ثم يصعب عليه فهم وإدراك تعاليمه طمعا منهم في إحلال غيرها محلها تمهيدا لانهيار قيم المجتمع المغربي المسلم وتحويله إلى مجتمع لا دين له ولا قيم ، ويسوده الانحلال الخلقي الذي يعبرون عنه بكل وقاحة .
ومعلوم أن وصف اللهجة التي يريدون إحلالها محلها الفصحى بالعامية يعني نطق العامة بها على غير سنن الفصحى ، وحين تقارن الكلمات والعبارات العامية مع الكلمات والعبارات الفصيحة يبدو بشكل واضح غياب جري الأولى على سنن الثانية صرفا ونحوا وإملاء وتعبيرا . ومن العبث الخلط بين العامية والفصحى ، ويوصف ذلك إذا ما وقع كتابة أو مشافهة بالركاكة في التعبير. والدليل على ذلك أن الشعوب العربية ما بين المحيط والخليج تتواصل بيسر وسهولة بلغة القرآن لكنها تجد صعوبة في التواصل فيما بينها بعامياتها ، وحين تخلط بين الفصحى وهذه العاميات لا تفصح هذه الأخيرة لاستغلاقها عن البيان والفهم عما تفصح عنه الفصحى.
وفضلا عما وراء النية المبيتة من الدعوة إلى نقل المتعلمين من التعلم بالفصحى إلى التعلم بالعامية ، يعتبر جهل أصحاب هذا التوجه بالفصحى أمرا ورادا أيضا لأن من جهل شيئا عاداه ، ولا ينتظر ممن نشأ على تعلم لغة المحتل ، وهو مستلب بها كأشد ما يكون الاستلاب أن ينطلق لسانه بلغة القرآن ، لهذا لا يستغرب منه أن يفضل العامية على الفصحى ، ويحكم على هذه الأخيرة ذات السنن والضوابط بالتي لا تجري على سننها ولا تخضع لضوابطها .
ومع هذا وذاك فمن هدر الجهد والطاقة والوقت أن يشتغل بالبحث عن قواعد لهذه العامية التي تختلف عندنا حسب جهات البلاد والفصحى موجودة بقواعدها وضوابطها التي قعدها علماء جهابذة . وكان من المفروض أن يبحث الخلف عما طرأ في حياتهم من مستجدات عن مسميات لها وفق سنن الفصحى وضوابطها، ذلك أن هذه الفصحى التي تتميز بكثرة مترادفاتها لا يعقل أن تعجز عن إيجاد اسما لمسمى مما جد في حياة أهلها، وهي التي تسمى المسمى الواحد بعشرات الأسماء المترادفة . فإذا كان أبو العلاء المعري قد رد على من وصفه بالكلب بالقول : » الكلب من لا يعرف للكلب سبعين اسما » وعددها له في اللسان المبين ، فلا يقبل من أحد أن يصف لغة القرآن بالعجز أو العقم ، ذلك أن العقم والعجز في الذين عجزوا عن مجاراة سلفهم في استعمال اللسان المبين وهو لسان لا يوجد في غيره كثرة مترادفاته .
إن أبناء المغاربة ليسوا فئران تجارب يجرب كل من هب ودب فيهم خزعبلاته ، ويؤلف لهم كتبا مدرسية تلبس عليهم اللسان المبين بالكلمات والعبارات العامية ،في كتب القراءة ، وهم يتلون القرآن الكريم كما أنزله رب العالمين على نبيه الكريم، فيحتارون في أمر تلك الكتب التي تخلط بين الفصيح والعامي، فتكون النتيجة نشازا يشوش على ألسنتهم وعلى عقولهم وعلى فهمهم واستيعابهم . فما الذي يضير مستعمل « بريوات » لو أنه استعمل مكانها كلمة حلوى ،أو برقيات لأن بعضهم يقول هي تحريف لكلمة برقيات ، وقد يصح ذلك لأن هذا النوع من الحلوى يشبه الرسائل أو البرقيات ، أما كلمة » بغرير » فهي عربية حسب معاجم اللغة العربية ، وهي تعني الرغيف المحضر بخليط الدقيق والماء والبيض والملح ، ويقولون : » تكفيني بغريرة » ، كما أن كلمة » غريبية » عربية أيضا وهي نوع من الكعك المصنوع من الدقيق والسكر والزيت أو الزبدة ،وماذا يضيره لو جرى في اختراع أسماء أخرى لها على سنن الفصحى إذا كانت كلمة حلوى لا تفي بغرضه وهي التي تجمع بين كل ما فيه حلاوة من عجين أو كلمة فطائر التي تجمع بين كل ما يعجن؟ وما معنى فلانة » سخّنت عظيماتها » وفعل سخّن في الفصحى يعني صيّر الماء حارّا أو ساخنا ، فكيف تصير فلانة عظيماتها حارة أو ساخنة ؟ ألا تفي عبارة استحمت بالغرض على وجه الحقيقة أو عبارة أخذت أو أصابت حماما ساخنا مجازا بحيث تطلق السخونة وهي ارتفاع الحرارة على الماء المستحم به لا على عظام من يستحم به؟
وفضلا عن هذا فإن مستعمل العامية عبارة عن حاطب ليل كما يقال يخلط في عاميته بين الألفاظ والتعابير العربية والألفاظ والتعابير غير العربية خصوصا ما خلفه الغزو الفرنسي والإسباني في بلادنا ،وتكون النتيجة إذا ما استعملت الألفاظ والتعابير غير العربية في الكتب المدرسية الخاصة باللغة العربية التشويش على المتعلمين الصغار بحيث يلتبس عليهم استعمالها في كتب اللغة الفرنسية أو الإسبانية ، وفي كتب اللغة العربية المخلوطة بالعامية ، فعلى سبيل المثال لا الحصر يوجد نوع من الحلوى يسمى بالعامية » سيجار » وهو من الدخيل ويطلق على لفافة التبغ حقيقة ، و على الحلوى مجازا لشبه بينهما من حيث طريقة اللف .
ولو اقتصر خلط العامية بالفصحى في الكتب المدرسية على البغرير والغريبية لهان الأمر ولكن دعاة هذا الخلط لا شك أنهم سيذهبون بعيدا في ذلك إذا ما خلت لهم الساحة ، وغابت الرقابة والمحاسبة .
والأجدر بالوزارة الوصية على التعليم في بلادنا أن تنهج الطريق الصحيح في تلقين اللغات للناشئة وفق سننها وضوابطها وأن تتنكب في الكتب المدرسية الخلط والخبط بينها فتكون النتيجة ما حصل للغراب الذي أراد يقلد مشية الحجلة فلم يفلح في ذلك ونسي في المقابل مشيته .
وأخيرا على الجهات المسؤولة عن قطاع التعليم وعلى الهيئات والمنظمات والجمعيات الساهرة على حماية و صيانة اللغة العربية وتعليمها أن تتصدى لكل محاولة مكشوفة وماكرة لحرمان الناشئة من تعلمها على الوجه الصحيح .