زايوتيفي – متابعة
ودعنا سنة 2021 م بأحداثها، وقضاياها، ومشاكلها، وتقلباتها، وتجاذباتها، فكان من الأجدر أن نطرح السؤال: ما هي الاهتمامات الكبرى التي شغلت الناس في غضون هذه السنة؟ وكيف كان يفكر كثير منهم؟ وما هي الأحداث التي استحوذت على عقولهم، وأثرت في حياتهم؟
والسبيل لمقاربة هذا الموضوع ولو بشكل نسبي، تقتضي استنطاق أحد أكبر محركات البحث في العالم، وهو محرك “جوجل”، الذي اعتاد في نهاية كل سنة أن يوثق لنا أهم هذه الانشغالات بالأرقام.
ونود أن نضع بين يدي الموضوع، ارتفاع عدد البشرية ـ اليوم ـ إلى قرابة ثمانية ملايير، عدد النساء يزيد قليلا عن العدد الرجال، والمتزوجون منهم قرابة المليار. وأصبح عدد المسلمين يقارب المليارين، أي: قرابةُ ربعِهم، مع وجود أكثر من مليار مُلحد ينكر وجود إله أصلا، وأزيد من ثلث سكان العالم يقدسون الحيوانات المختلفة، ويعبدون الأصنام الحجرية المتنوعة، بل ومنهم من يعبد الإنس، والجن، وحتى الشيطان.
ويعتبر تفشي جائحة كورونا، من أكثر الموضوعات بحثا، حيث تجاوز عدد المصابين يوميا حاجز المليون في الأسبوع الأخير من هذه السنة، التي تميزت بالبحث عن مصطلح يدل على “الإفراط في متابعة الأخبار السيئة”، والبحث عن مصطلح “الصحة النفسية”، بعد عام من العزلة، أصيب فيه كثير من الناس بحالة من التذمر والقلق، والمعاناة من الشعور بالوحدة والحزن على فقدان الأحباب. ولذلك وجدنا الناس يُهرَعون بكثرة إلى البحث عن مصطلحات “إيجابية الجسم”، و”عبارات التشجيع”، والتي تقدم معلومات إيجابية، تهدف إلى التغلب على الأفكار السلبية، كما يُهرَعون إلى الأطباء، وتناول الأدوية المهدئة والمسكنة.
ومع ذلك، نجد كثيرا الناس يذهلون عن مبادئ ديننا، المبنية على التفاؤل والاستبشار، وأن ما أصابنا لم يكن ليخطئنا، وما أخطأنا لم يكن ليصيبنا، مع خلوص التوكل على الله، والحزم في اتخاذ الأسباب. وهذا عزاء للمسلمين فيما يصيبهم من شدائد وخطوب، إذ يعالجونها بالإقبال على الله، والرضا بما قسم الله. قال أحد الحكماء: “ارض عن الله في جميع ما يفعله بك، فإنه ما منعك إلا ليعطيك، ولا ابتلاك إلا ليعافيك، ولا أمرضك إلا ليشفيك، ولا أماتك إلا ليحييك. فإياك أن تفارق الرضا عنه طرفة عين، فتسقط من عينه”.
وإذا كان هذا الهاجس وحده كفيلا بأن يرد الناس إلى ربهم، ويرجعوا إلى هدي نبيهم صلى الله عليه وسلم، فإن العجب لا ينقضي حينما نعلم أن من أكثر ما شغل رواد الشبكية، مسلسلا تلفزيونيا، هو عبارة عن لعبة، تحكي قصة مجموعة من الأشخاص، يتعين عليهم النجاة من سلسلة ألعاب مميتة، للفوز بجائزة نقدية تغير حياتهم، استطاع أن يستقطب أكثر من 142 مليون مشترك، في الشهر الأول ـ فقط ـ على طرحه، منهم شباب وأطفال اعتقدوا أنها لعبة تنفعهم في واقعهم، فَجَرَّت عليهم من ويلات الدمار النفسي، والاجتماعي، وهدر الوقت، والانعزال على العالم، ما كان له وخيم العواقب.
وكان أكثر الأسماء تم البحث عنها، اسمَ ابن ممثل شهير، بسبب اتهامه بحيازة المخدرات وشرب الخمور، واسمَ ممثلة أعلنت تحولها الجنسي، وغيرت اسمها إلى اسم رجل، ونشرت صورها بمظهرها الجديد، واسم رياضي أغمي عليه في الملعب، واسم ممثل قَتل ممثلةً بطريق الخطإ، وغير ذلك من الأمور الهزيلة، التي حقها أن لا يسمع بها أحد.
ولم نجد ـ في المقابل ـ احتفاء بأسماء الصالحين المصلحين، ولا الخيرين المؤثرين، ولا العلماء الربانيين، ولا الشباب المبدعين ما ينفع العالمين. بل حتى نبينا صلى الله عليه وسلم لم يحفل ببحث يقارب الأسماء المذكورة، فضلا عن كبار الصحابة، وعظماء الأمة.
وحتى في باب الوفيات، وجدنا أكثرهم بحثا في الشبكية، أحدَ أهل الغناء والرقص، الذي مات بسبب جرعة زائدة من المخدرات، مع أنه مات من العلماء والصالحين الكثير.
وانشغل الناس بِأَسْهُم شركة عملاقة، متخصصة في دور السينما والترفيه، وأخرى مهتمة بألعاب الفيديو، وما علموا أنهم في تجارة خاسرة، وإن عظمت دراهمها، وكثرت دنانيرها. قال العلامة السعدي ـ رحمه الله ـ: “وإذا كان مَن يبذُل دينارًا في مقابل درهم خاسرًا، فكيف مَن بَذَل.. الهُدَى في مقابلة الضلالة، واختار الشقاء على السعادة، ورغب في سافل الأمور، وتَرَك عاليَها؟ فما ربحت تجارته، بل خسر فيها أعظم خسارة”.
وهذا جزاء الانشغال عن التجارة الرابحة مع الله ـ تعالى ـ.يقول ربنا ـ عز وجل ـ: (مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفُهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً وَاللهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ). ويقول ـ تعالى ـ: (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللهِ وَاللهُ رَؤُوفٌ بِالْعِبَادِ). قال ابن الجوزي ـ رحمه الله ـ: “كيف تلهيهم تجارة أو بيع عن ذكر الله، وتجارتهم مع الله رابحة، ومحاسنهم لذوي الألباب لائحة؟”.
وفي بعض الدول العربية، كان جل اهتمام المبحرين عبر الشبكية منصبا على أنواع الهواتف، وأشكالها، وأثمنتها، وعلى طرق الطبخ، وألوان الأطعمة، وعلى الرياضة، بما فيها دوريات في كرة القدم الأوروبية، وكرة السلة، فضلا عن المسلسلات التي تستهلك من بعض الأسر وقتا ليس باليسير.
إِنَّ لِله عِباداً فُطَنا * طَلَّقوا الدُنيا وَخافوا الفِتَنا
نَظَروا فيها فَلَمَّا عَلِموا * أَنَّها لَيسَت لِحَيٍّ وَطَنا
جَعَلوها لُجَّةً وَاِتَّخَذوا * صالِحَ الأَعمالِ فيها سُفُنا
لقد وجدنا نبينا صلى الله عليه وسلم يوجه اهتمامنا إلى ما ينفعنا في ديننا ودنيانا، ويَعمُر أوقاتنا بما يقربنا إلى ربنا. فعن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ أَنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم اتَّخَذَ خَاتَمًا، فَلَبِسَهُ. قَالَ: “شَغَلَنِي هَذَا عَنْكُمْ مُنْذُ الْيَوْمِ، إِلَيْهِ نَظْرَةٌ، وَإِلَيْكُمْ نَظْرَةٌ”، ثُمَّ أَلْقَاهُ. صحيح سنن النسائي.
ولما كان النبي صلى الله عليه وسلم مرجعَ الصحابة الأول في أمور دينهم ودنياهم، كانت أسئلتهم له تدل على صميم انشغالهم بما يهمهم وينفعهم، جِماعها يلخصه سؤال أبي برزة الأسلمي رضي الله عنه حين قال: “يَا رَسُولَ الله، دُلَّنِي عَلَى عَمَلٍ أَنْتَفِعُ بِهِ” صحيح سنن ابن ماجة.
قال عبدالله بن عباس ـ رضي الله عنهما ـ: “ما رأيتُ قومًا كانوا خيرًا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم.. ما كانوا يسألون إلَّا عمَّا ينفعهم”.
قال ابن العطَّار ـ رحمه الله ـ (تلميذ الإمام النووي ـ رحمه الله ـ): “إنَّ من وقف لتدبُّر أحوال الصحابة رضي الله عنهم، اطَّلَع على عِظَمِ اجتهادهم في طلب النجاة، وحرصهم على بلوغ الدرجات، فهذا يسأل عن أركان الدين، وهذا يسأله عن عمل يُقرِّبُهُ من الجنة ويُبعِدُه عن النار، وهذا يسأل عن العمل الذي إذا عمله أحبَّه اللهُ وأحبَّه الناس، وهذا يقول: يا رسول الله، أوصني.. إلى غير ذلك”.
عَلِموا أن الحياة قصيرة، فشمروا لملئها بما ينجيهم يوم القيامة.
مَا زالَ يَلْهَجُ بالرَّحِيلِ وَذِكْرِهِ * حَتَّى أَنَاخَ بِبَابِهِ الجَمَّالُ
فأَصَابَهُ مُتَيَقِّظَاً مُتَشَمِّرًا * ذَا أُهْبَةٍ لَمْ تُلْهِهِ الآمَالُ