يبدو أن خيبة أمل الجمهور الوجدي كانت كبيرة، بعد قرار الجامعة الملكية لكرة القدم، القاضي بإغلاق الملعب الشرفي خلال هذا الموسم، بهدف إخضاعه لبعض الإصلاحات، وهو الذي طالما انتظر صعود فريقه إلى الدوري الإحترافي الأول، حتى يستمتع بمبارياته وهو يستقبل الفرق الوطنية الكبرى بأرضه وملعبه.
ولعل ما زاد من حسرة هذا الجمهور وأشعل غضبه وأجج احتجاجه، هو رفض المسؤولين الترابيين والأمنيين بكل من مدينتي وجدة وبركان، بالترخيص لسندباد الشرق باللعب بالملعبين البلديين للمدينتين المذكورتين، وذلك لاعتبارات ومبررات أمنية مبالغ فيها.
ومما زاد الطينة بلة، تقاعس المكتب المسير للمولودية الوجدية، وانضباطه لهذه القرارات الأمنية المجحفة، وهو الذي كان رئيسه قد هدد في آخر جمع عام للنادي، بالإنسحاب من البطولة وتقديم اعتذار عام، في حال عدم الترخيص للفريق باللعب في أحد الملعبين المذكورين أعلاه. ولم يقف الأمر عند هذا الحد، بل اتخذ المكتب المسير قرارا أجج غضب الجمهور الوجدي وأثار استنكاره. ويتعلق الأمر بقرار استقبال الفريق الوجدي مبارياته بملعب الأمير مولاي عبد الله بمدينة الرباط، التي تبعد عن مدينة وجدة بأكثر من 600 كلم. مع ما يعنيه ذلك من حرمان للجمهور من متابعة هذه المباريات ومن تشجيع فريقه. وكذا تنكيل بالجمهور المرافق لهذا الفريق، الذي سيتجشم أعباء أسفار طويلة وشاقة. ومصاريف كبيرة، علما أن أغلب مناصري الفريق، ينحدرون من أوساط شعبية محدودة الدخل والإمكانيات.
إن مثل هذه القرارات الإرتجالية العرجاء للجامعة الملكية، وللمكتب المسير للمولودية، وخاصة للمسؤولين الترابيين والأمنيين بوجدة وبركان، والتي سينجم عنها حرمان الجمهور الرياضي بالمدينة وعموم الجهة الشرقية، من الإستمتاع بمباريات فريقه طوال هذا الموسم الكروي، تمثل قمة الإستخفاف بمشاعر هذا الجمهور، ومنتهى اللامبالاة بمتطلبات هذه الرياضة الجميلة، كرة القدم التي لا تستقيم أبدا من دون دفء وحرارة الخيط الناظم بين الفريق الرياضي وجمهوره. والتضخيم المبالغ فيه للهواجس الأمنية المتوقعة من الجمهور. فالمولودية الوجدية لم تصارع وتكافح وتصعد إلى القسم الإحترافي الأول، كي ترحل بعيدا عن ملعبها وديارها، للعب ربما أمام كراسي شبه فارغة. ولكنها صعدت كي تمنح الفرجة والمتعة لجمهورها بعين المكان، بمدينة وجدة.
إن إدراج الإعتبارات الأمنية والإمعان والإصرار عليها كمبرر لرفض الترخيص للفريق باللعب في أحد الملعبين البلديين المذكورين، فيه كثير من الإهانة للجمهور الرياضي الوجدي، وغير قليل من الإتهام المبطن له، بكونه جمهورا مشاغبا ومثيراً للفوضى، وعابثاً بالأمن العام. وهو اتهام إذا صح في غير محله، قياسا مع ما تثيره جماهير فرق وطنية أخرى، من فوضى وانفلات أمني وتخريب للممتلكات، ومع ذلك لا تُعامل بمثل هذه القبضة الأمنية الصارمة، التي تعاملت بها الجهات الأمنية في وجدة وبركان مع هذا الجمهور، وسببت في حرمانه من فريقه.!
إن الهواجس الأمنية المبالغ فيها، والتي لا توجد في الحقيقة سوى في أذهان مسؤولينا المصابين « بالرهاب الأمني »، تكاد تمثل، أحيانا، عرقلة وعائقاً لكل تنمية فعلية داخل المجتمع، بالنظر إلى عدد الأنشطة والتظاهرات الرياضية والإجتماعية والثقافية والسياسية.. التي يتم إبطال مفعولها تحت هذه الذريعة الواهية أحيانا. فالسلطات والأجهزة الأمنية، وُجدت للتعاطي مع الإنزلاقات الأمنية إن حدثت فعلا على الأرض، وليس لتوقُع حدوث هذه الإنزلاقات، وتخيلها وتهويلها مجانا، بل وبناءُ قرارات غير سليمة على أثرها، تنعكس سلبا على نشاطات المجتمع المختلفة. وإلا فإن ذلك سيُمثل « كلمة حق يُراد بها باطل »، هذ الباطل هو إجهاض مختلف فعاليات المجتمع، الرياضية والثقافية والسياسية.. غير المرغوب فيها.
فيكفي أن نتأمل حجم ما ستلحقه وتكبده القرارات الأمنية، التي حرمت الفريق الوجدي من اللعب في معاقله، بإحدى مدن الجهة الشرقية من خسائر فادحة، ستكون لها ربما انعكاسات وخيمة على مسيرة الفريق، سواء على المستوى المادي (مصاريف الإقامة بعيدا عن المدينة + الحرمان من مداخيل الجمهور..) أو المعنوي (غياب التشجيع..) أو التقني (نتائج المباريات وأثرها على ترتيبه..) ناهيك عن تأثيراتها على الجمهور وعلى الحركة الإقتصادية المصاحبة لإجراء المباريات (نقل + ترويج بعض المنتجات..)، لِنُدرك فداحة ما تفعله الهواجس الأمنية المبالغ فيها.
إن هذه الوضعية الشاذة التي لا يُحسد عليها الفريق الوجدي، وتظافر كل هذه العوامل التي ساهمت في تهجيره إلى مدينة الرباط، بعيدا عن دياره للعب هناك، مبتورا من جمهوره الرياضي وحماسه، وفي ضيافة الجمهور الرباطي، قد دفعت أحد الظرفاء إلى التعليق على الأمر بالقول أن سندباد الشرق أصبح جديرا بحمل إسمٍ ولقبٍ جديدٍ يختزل ويختصر الحكاية كلها وهو « المولودية الرباطية ».
إن فريق المولودية الوجدية اليوم، هو في أمس الحاجة إلى كل أشكال الدعم والمساندة، التي من شأنها أن تضمن بقاءه ضمن أندية الدوري الإحترافي الأول، التي لا مكان فيها للضعفاء، بل وتحفزه حتى على التنافس من أجل الحصول على الألقاب، إحياءً للمجد الغابر لهذا الفريق العريق، وتحقيقاً للمتعة والفرجة الكروية لجمهوره العريض العاشق. وإن المدخل الأساس لتحقيق كل ذلك، لهو التعجيل بعودة الفريق للعب في معاقله وبين أحضان جمهوره ومحبيه.