زايوتيفي : زهر الدين طيبي
اليوم نعيد طرح السؤال الكبير، لماذا أصبح تعليمنا العمومي في خطر؟ وكيف أصبح الغش في تعليمنا حقا مكتسبا يدافع عنه أبناؤنا باعتباره ثقافة مجتمع؟ …ولماذا أصبحت قيم المعرفة والمهارة هامشا يضيق يوما بعد يوم، ليفسح المجال واسعا أمام رداءة غير مسبوقة؟
عندما يقدم تلميذ قاصر، يبلغ من العمر 16 سنة، بسبب الغش في الامتحانات أثناء اجتياز امتحانات السنة التاسعة إعدادي، على قتل زميله بعد تعريضه لاعتداء جسدي خطير بواسطة السلاح الأبيض، وإصابة تلميذ آخر بجروح، فإنه يحق لنا أن نتساءل عن المستوى الذي وصلت إليه منظومتنا التربوية.
ما من شك أن واقعة القتل التي عرفتها إحدى المؤسسات التعليمية العمومية بقلعة السراغنة بداية الأسبوع الماضي، لا تعدو أن تكون مجرد حلقة في سلسلة العنف الذي باتت تشهده المؤسسات التعليمية المغربية خلال السنتين الأخيرتين، عنف سببه حسب عدد كبير من المتابعين، هو فشل المنظومة التعليمية برمتها.
لقد فتحت كما هو معلوم فرقة الشرطة القضائية بمدينة قلعة السراغنة بحثا قضائيا تحت إشراف النيابة العامة المختصة، صباح الثلاثاء الماضي، للكشف عن ظروف وملابسات هذه الجريمة، وأوضح بلاغ للمديرية العامة للأمن الوطني أن المعلومات الأولية للبحث تشير إلى أن المشتبه فيه، الذي كان يجتاز امتحانات السنة التاسعة إعدادي أقدم على تعريض تلميذين لاعتداء جسدي بواسطة سكين داخل ساحة المؤسسة التعليمية، نجم عنه إصابة أحدهما بجروح مميتة، بينما أصيب الآخر بجروح طفيفة على مستوى الظهر، وقد نقل على إثرها هذا الأخير إلى المستشفى لتلقي الإسعافات الضرورية.
وأضاف البلاغ، أنه تم الاحتفاظ بالمشتبه فيه القاصر تحت تدبير المراقبة رهن إشارة البحث الذي تشرف عليه النيابة العامة المختصة، وذلك للكشف عن أسباب ودوافع ارتكاب هذه الأفعال الإجرامية، التي تشير الإفادات الأولية للشهود إلى أنها ناجمة عن ردة فعل القاصر الموقوف بسبب عدم تمكينه من الغش في اختبارات إحدى مواد الامتحان.
من جانبه، تأسف سعد الدين العثماني رئيس الحكومة، لمقتل تلميذ على يد زميله بسبب رفضه تمكينه من الأجوبة في الامتحان الجهوي الموحد لمادة اللغة الفرنسية بقلعة سراغنة. واعتبر، خلال افتتاحه الاجتماع الأسبوعي لمجلس الحكومة المنعقد يوم الخميس المنصرم، أن هذا الحادث مأساوي ومحزن، موجها بالمناسبة التعازي إلى أسرة التلميذ الضحية. وشدد، على ضرورة ضمان حماية مستمرة للمؤسسات التعليمية ولمحيطها الخارجي من كل أشكال العنف، كما كشف العثماني أنه بمجرد علمه بحادث قلعة سراغنة، اتصل مباشرة بوزير التربية الوطنية والتعليم العالي والتكوين المهني، وأنهما قررا سويا اتخاذ إجراءات قوية في المستقبل القريب حتى لا تتكرر مثل هذه الأنواع من الحوادث، وذلك بتنسيق مع وزارة الداخلية ومع السلطات المحلية في كل عمالة واقليم ومع الأمن الوطني لما له من دور كبير في حماية محيط المدرسة العمومية، خصوصا أثناء الامتحانات.
لقد أعلن رئيس الحكومة رفضه المطلق لكل مظاهر العنف التي يمكن أن تقع في المؤسسات التعليمية، معتبرا أنه رغم محدودية عدد الحالات داخل المدارس، خصوصا في مرحلة الامتحانات، إلا أنها تبقى مقلقة وغير منطقية وغير معقولة، حسب تصريحه، وعلينا جميعا التعبئة لمحاصرة الظاهرة ومعالجتها في المستقبل. لأن ورش حماية المؤسسات التعليمية من العنف، وفق تصريح رئيس الحكومة، “يحتاج منّا تعبئة جماعية بمشاركة الآباء والأسر والمجتمع المدني، وكذا السطات العمومية، باعتبار دورها الأكبر في محاصرة الظاهرة والقضاء عليها مستقبلا”.
هل يكفينا أسف رئيس الحكومة على مقتل تلميذ داخل مؤسسته التعليمية أثناء الامتحان؟ وهل تكفي التعازي أسرة الضحية المكلومة؟ بماذا يفيدنا رفضه المطلق لكل مظاهر العنف التي يمكن أن تقع في المؤسسات التعليمية، إذا لم يرتبط بإجراءات عملية؟ كم عسانا ننتظر الإجراءات التي وصفها بالقوية؟ ومتى سيتحقق هذا المستقبل القريب الذي طالما وعدتنا حكومته بطلعته؟
للأسف، هذه بعض من الجوانب الفاضحة من واقع تعليمنا المهترئ، التي تفرض علينا جميعا التفكير في الحلول القمينة بتجاوز تعثر قيم منظومتنا التربوية…. وقد تسعفنا الممارسة والتجربة الميدانية في فضح المنزلقات الخطيرة التي تجعل تعليمنا قاب قوسين أو أدنى من العبث المميت.
من المؤسف حقا، أن نعيش في زمن التكنولوجيا الحديثة زمن الرداءة في التعليم، في القول كما في السلوك، ومن غير المقبول أن نستمر في قبول واقع بئيس باتت تكرسه خرائط التجهيل والتجريب والتجريف الأجوف، بمنطق “دعه يمر”…و”دعه يفرح بنجاحه إلى حين”….
لن نختلف في كون الأصل في التقويم السليم، وفي كل إصلاح على المدى المتوسط والبعيد، هو أن تكون المسؤولية المجتمعية والسياسية مشتركة بين كل الفاعلين في حقل التربية والتكوين، والأحزاب التي تعاقبت في تحمل حقائبه، ولا أن يكون وحده رجل القسم، هو ذلك الحائط القصير الذي يتعمد ضعاف الرؤى والاستراتيجيات الفاشلة القفز على ظهره وتحميله كل المسؤولية في الاندحار التربوي الذي باتت تعرفه منظومتنا التربوية، لأن في ذلك تغافل عن سبق إصرار وترصد، لكل برامج الفشل التي برع في مراكمتها بعض صناع القرار والوزراء، دون أن تطالهم يد المحاسبة والمساءلة….
المؤكد، أن ما يحدث لتعليمنا اليوم هو انعكاس بسيط لأوهام الاصلاح المستدامة، وهي دعوة للجميع لتأمله بكل ما يليق من الأسى والحسرة….
آخر الكلام، نتمنى أن نلمس الإجراءات القوية التي تحدث عنها رئيس الحكومة، وقبل ذلك نتمنى أن يكون المستقبل القريب الذي وعد به، غير بعيد.